سورة الأحزاب - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأحزاب)


        


{يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32)}
ثم قال تعالى: {يانساء النبى لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مّنَ النساء} لما ذكر أن عذابهن ضعف عذاب غيرهن وأجرهن مثلاً أجر غيرهن صرن كالحرائر بالنسبة إلى الإماء، فقال: {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ} ومعنى قول القائل ليس فلان كآحاد الناس، يعني ليس فيه مجرد كونه إنساناً، بل وصف أخص موجود فيه، وهو كونه عالماً أو عاملاً أو نسيباً أو حسيباً، فإن الوصف الأخص إذا وجد لا يبقى التعريف بالأعم، فإن من عرف رجلاً ولم يعرف منه غير كونه رجلاً يقول رأيت رجلاً فإن عرف علمه يقول رأيت زيداً أو عمراً، فكذلك قوله تعالى: {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مّنَ النساء} يعني فيكن غير ذلك أمر لا يوجد في غيركن وهو كونكن أمهات جميع المؤمنين وزوجات خير المرسلين، وكما أن محمداً عليه السلام ليس كأحد من الرجال، كما قال عليه السلام: «لست كأحدكم» كذلك قرائبه اللاتي يشرفن به وبين الزوجين نوع من الكفاءة.
ثم قوله تعالى: {إِنِ اتقيتن فَلاَ تَخْضَعْنَ بالقول} يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون متعلقاً بما قبله على معنى لستن كأحد إن اتقيتن فإن الأكرم عند الله هو الأتقى وثانيهما: أن يكون متعلقاً بما بعده على معنى إن اتقيتن فلا تخضعن والله تعالى لما منعهن من الفاحشة وهي الفعل القبيح منعهن من مقدماتها وهي المحادثة مع الرجال والانقياد في الكلام للفاسق. ثم قوله تعالى: {فَيَطْمَعَ الذي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} أي فسق وقوله تعالى: {وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً} أي ذكر الله، وما تحتجن إليه من الكلام والله تعالى لما قال: {فَلاَ تَخْضَعْنَ بالقول} ذكر بعده {وَقُلْنَ} إشارة إلى أن ذلك ليس أمراً بالإيذاء والمنكر بل القول المعروف وعند الحاجة هو المأمور به لا غيره.


{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)}
قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} من القرار وإسقاط أحد حرفي التضعيف كما قال تعالى: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} [الواقعة: 65] وقيل بأنه من الوقار كما يقال وعد يعد عد وقول: {وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجاهلية الأولى} قيل معناه لا تتكسرن ولا تتغنجن، ويحتمل أن يكون المراد لا تظهرن زينتكن وقوله تعالى: {الجاهلية الأولى} فيه وجهان:
أحدهما: أن المراد من كان في زمن نوح والجاهلية الأخرى من كان بعده وثانيهما: أن هذه ليست أولى تقتضي أخرى بل معناه تبرج الجاهلية القديمة كقول القائل: أين الأكاسرة الجبابرة الأولى.
ثم قال تعالى: {وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله} يعني ليس التكليف في النهي فقط حتى يحصل بقوله تعالى: {لا تَخْضَعْنَ وَلاَ تَبَرَّجْنَ} بل فيه وفي الأوامر {فأقمن الصلاة} التي هي ترك التشبه بالجبار المتكبر {وآتين الزكاة} التي هي تشبه بالكريم الرحيم {وَأَطِعْنَ الله} أي ليس التكليف منحصراً في المذكور بل كل ما أمر الله به فأتين به وكل ما نهى الله عنه فانتهين عنه.
ثم قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس أَهْلَ البيت وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً}.
يعني ليس المنتفع بتكليفكن هو الله ولا تنفعن الله فيما تأتين به.
وإنما نفعه لكن وأمره تعالى إياكن لمصلحتكن، وقوله تعالى: {لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس أَهْلَ البيت وَيُطَهّرَكُمْ} فيه لطيفة وهي أن الرجس قد يزول عيناً ولا يطهر المحل فقوله تعالى: {لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس} أي يزيل عنكم الذنوب ويطهركم أي يلبسكم خلع الكرامة، ثم إن الله تعالى ترك خطاب المؤنثات وخاطب بخطاب المذكرين بقوله: {لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس} ليدخل فيه نساء أهل بيته ورجالهم، واختلفت الأقوال في أهل البيت، والأولى أن يقال هم أولاده وأزواجه والحسن والحسين منهم وعلي منهم لأنه كان من أهل بيته بسبب معاشرته ببنت النبي عليه السلام وملازمته للنبي.


{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34)}
ثم قال تعالى: {واذكرن مَا يتلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ ءايات الله والحكمة} أي القرآن {والحكمة} أي كلمات النبي عليه السلام إشارة إلى ما ذكرنا من أن التكاليف غير منحصرة في الصلاة والزكاة، وما ذكر الله في هذه الآية فقال: {واذكرن مَا يتلى} ليعلمن الواجبات كلها فيأتين بها، والمحرمات بأسرها فينتهين عنها.
(وقوله): {إِنَّ الله كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً} إشارة إلى أنه خبير بالبواطن، لطيف فعلمه يصل إلى كل شيء ومنه اللطيف الذي يدخل في المسام الضيقة ويخرج من المسالك المسدودة.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11